ولد السيد محمد كريم بحي الأنفوشي بالاسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر . ونشأ يتيماً فكفله عمه وافتتح له دكاناً صغيراً في الحي..
وكان يتردد على المساجد ليتعلم فيها وعلى الندوات الشعبية ليتحدث وعرف بين أهل الاسكندرية بوطنيته وشجاعته وأصبحت له شعبية كبيرة بين الناس
وعندما آلت السلطة في مصر الى اثنين من زعماء المماليك في القاهرة وهما مراد بك وابراهيم بك ( فيما بين 1790 -1798م ) عين مراد بك السيد محمد كريم حاكماً للاسكندرية ومديراً لجماركها وذلك لما لاحظه من مكانة كبيرة لمحمد كريم عند أهل الاسكندرية .
وبينما كان محمد كريم يقوم بواجبه – محافظاً للاسكندرية ومشرفاً على جماركها - إذا ببوادر الاحتلال تلوح في الأفق ..
ففي يوم 19مايو 1798م أقلع أسطول فرنسي كبير مكون من 260 سفينة من ميناء طولون بفرنسا محملاً بالجنود والمدافع والعلماء وعلى رأسهم نابليون بونابرت قاصداً الاسكندرية ومر في طريقه بمالطة ..
وبلغ الانجليز الخبر فعهدوا الى " نلسون " باقتفاء أثر الأسطول الفرنسي وتدميره فقصد "نلسون" الى مالطة وهناك علم أن مراكب نابليون غادرتها نحو الشرق منذ خمسة أيام متجهة نحو الشرق فرجح نلسون أنها ذهبت الى مصر فاتجه الى الاسكندرية ووصل اليها يوم 28يونية 1798 فلم يعثر هناك للفرنسيين على أثر .
وأرسل نلسون وفداً الى حاكم المدينة "السيد محمد كريم " لكي يسمح لأسطوله بانتظار الأسطول الفرنسي خارج الميناء وأن يسمح لهم أن يشتروا من المدينة ما يحتاجونه من زاد .. لكن محمد كريم رفض طلبهم قائلاً... " ليس للفرنسيين أو سواهم شيء في هذا البلد فاذهبوا أنتم عنا .."
ووقف أسطول نلسون منتظراً خارج الثغر أربعاً وعشرين ساعة ثم أقلع متجهاً الى شواطىء الأناضول بحثاً عن غريمه .. ولم يمضي على رحيله غير أسبوع حتى ظهر الأسطول الفرنسي أمام شواطىء الاسكندرية.. وعندئذ بعث السيد محمد كريم الى القاهرة مستنجداً بمراد بك وابراهيم بك.. واستقر الرأى على أن يسير مراد بك مع جنوده الى الاسكندرية لصد الغزاة ويبقى ابراهيم بك في القاهرة للدفاع عنها.
وقد وصل الأسطول الفرنسي الى شواطىء الاسكندرية ( عند العجمي ) في أول يوليو1798م وبادر الى انزال قواته ليلاً الى البر ثم سير قسماً من قواته الى الاسكندرية (يوم 2 يوليو ) .. ولم يكن عدد سكان المدينة يومها يزيد على ثمانية آلاف نسمة .. ولم يكن بها من الجنود ما يكفي لصد الجيش الفرنسي الكبير المزود بالمعدات الحديثة ..وكان أن إستعد السيد محمد كريم للدفاع عن الاسكندرية بكل ما لديه من ذخيرة وعتاد .. وظل محمد كريم يقود المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين حتى بعد أن اقتحم الفرنسيون أسوار المدينة .. وظل محمد كريم يقود المعركة ، ثم اعتصم بقلعة قايتباي ومعه فريق من الجنود حتي فرغت ذخيرته فكف عن القتال وتم أسره هو ومن معه ، ودخل نابليون المدينة وأعلن بها الأمان .
وأعجب نابليون بشجاعة محمد كريم فأطلق سراحه من الأسر ، وتظاهر باكرامه ، وأبقاه حاكماً للاسكندرية .. ولما تم لنابليون الاستيلاء على الاسكندرية رأى أن يغادرها الى القاهرة وعين كليبر حاكماً عسكرياً عليها وزحف الى القاهرة في 7 يوليو عن طريق دمنهور والرحمانية ، والتقى في شبراخيت بفرقة من المماليك على رأسها مراد بك فهزمها ووصل الى القاهرة يوم 21 يوليو ، واحنلها بعد موقعة إمبابة وإنسحاب مراد بك الى الصعيد وفرار ابراهيم بك الى الشام .
وبقي كليبر على رأس حامية الاسكندرية ، بينما أخذت دعوة محمد كريم الى المقاومة الشعبية تلقى صداها بين المواطنين فعمت الثورة أرجاء المدينة ، فاعتقل كليبر بعض الأعيان للقضاء على الثورة دون فائدة .. ومع تزايد الثورة وارتفاع حدة المقاومة الشعبية في الاسكندرية .. أمر كليبر بالقبض على السيد محمد كريم يوم (20 يوليو 1798م) وأرسله الى أبوقير حيث كان الأسطول الفرنسي راسياً ، ثم ارسل الى رشيد ومنها الى القاهرة على سفينة أقلعت به في النيل من رشيد يوم 4 أغسطس ووصلت الى القاهرة يوم 12 أغسطس ووجهت اليه تهم التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية ، واستمرت المحاكمة حتى 5سبتمبر حين أرسل نابليون رسالة الى المحقق يأمره فيها أن يعرض على محمد كريم أن يدفع فدية قدرها ثلاثون الف ريال يدفعها الى خزينة الجيش ليفتدي نفسه .. ورفض محمد كريم أن يدفع الفدية ، ولما ألح عليه البعض في أن يفدي نفسه بهذه الغرامة رفض وقال .. " إذا كان مقدوراً علىّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية ، وإذا كان مقدوراً علىّ أن أعيش فعلام أدفعها ؟.
وفي يوم 6سبتمبر 1798م أصدر نابليون بونابرت أمراً باعدام محمد كريم ظهراً في ميدان القلعة رمياً بالرصاص .. ونفذ في السيد محمد كريم حكم الاعدام بميدان الرميلة بالقلعة لتطوى بذلك صفحة من صفحات الجهاد الوطني .
وفي عام 1953م تم تكريم السيد محمد كريم ووضعت صورته لأول مرة مع صور محافظي الاسكندرية في مبنى المحافظة تخليداً لذكراه .. كما أطلق اسمه على شارع التتويج وأصبح اسمه شارع محمد كريم (وهوالشارع الموازي لطريق الكورنيش ويبدأ من أمام الجندي المجهول وحتى ميدان المساجد ) .
كما أطلق اسمه على احدى المدارس الخاصة بالاسكندرية ( مدرسة محمد كريم بسموحة )... وفي 27نوفمبر 1953 افتتح المسجد المجاور لقصر رأس التين وأطلق عليه " مسجد محمد كريم "... ( وكان مقدراً له أن يحمسم الملك فاروق .. وقد صنع تمثال للسيد محمد كريم تم وضعه في حديقة الخالدين بالاسكندرية .