في فرع التخطيط بهيئة العمليات بمبنى القيادة العامة للقوات المسلحة بمدينة نصر عقدت حلقة بحث يرأسها اللواء محمد عبد الغنى الجمسي رئيس هيئة العمليات، حضر هذه الحلقة سبعة ضباط فقط هم أعضاء فرع التخطيط بهيئة العمليات تتراوح رتبهم ما بين مقدم وعقيد.
وفي هذه الحلقة وقف اللواء الجمسيى أمام خريطة لقناة السويس وشرح الموقف كما يبدو من آخر استطلاع تم منذ 12 ساعة..
قال اللواء الجمسي ....
".. إن عبور الموانع المائية كان دائما اشق العمليات العسكرية واعقدها واكثرها فداحة فى الخسائر، وهناك جيوش حاولت عبور الموانع المائية قديما وحديثا ففشلت واصابتها الكوارث، والبعض يرى ان الموانع المائية قلت قيمتها بفضل تطور الأسلحة وظهور المركبات والدبابات المائية، لكن قناة السويس مانع فريد يختلف عن باقي الانهار والمسالك المائية الآخرىلعدة أسباب:
- يتراوح عرض القناة ما بين 180 و220 متر وطولها يصل الى 175 كيلو متر ويتراوح عمقها ما بين 16 و18 متر وينخفض سطح المياة عن حافة الشاطئ بحوالى مترين، وبذلك يستحيل عبور القناة بالمعدات التقليدية لا عما ولا خوضا ولا سيرا على القاع.
- يحد القناة شاطئ شديد الانحدار مغطى بستائر اسمنتية وحديدية تمنع نزول وصعود المركبات المائية الا بعد تجهيزات هندسية خاصة وهي صفة تنفرد بها قناة السويس عن مختلف قنوات وانهار العالم باستثناء قناة واحدة هي قناة بنما وكلتاهما قناتين صناعيتين.
- تتعرض القناة لظاهرة المد والجزر فيختلف منسوب المياة تبعا لارتفاعها وانخفاضها عدة مرات فى اليوم الواحد، ويبلغ فارق المنسوب بين اعلى مد وادنة جزر حوالي 60 سنتيمتر شمال القناة، بينما يزيد هذا الفارق كلما اتجهنا جنوبا حتى يصل الى نحو مترين قرب مدينة السويس، ولمثل هذه الظاهرة اثرها الكبير على تخطيط العبور والاعمال الفنية الخاصة بإقامة المعديات وإنشاء الكباري.
- تتميز قناة السويس بشدة التيار وسرعته التى تبدأ من 18 متر فى الدقيقة بالقطاع الشمالي وتصل الى 90 متر فى الدقيقة فى القطاع الجنوبي، كما ان اتجاه التيار يتغير دوريا كل ست ساعات من الشمال الى الجنوب وبالعكس.
- يوجد على الضفة الشرقية للقناة ساتر ترابي من ناتج حفرها يتراوح ارتفاعه من ستة الى عشرة امتاروقد استغل العدو هذا الساتر فى اقامة خط دفاعي محصن على امتداد القناة فقام بتعليته حتى وصل فى بعض القطاعات الى 25 متر ارتفاعا، كما ان العدو لم يكتف بتعلية الساتر رأسيا بل قام بإزاحته غربا حتى لامس حافة القناة تماما بزاوبة ميل تزيد على 45 درجة ليضع اما المقاتل المصري مزيدا من العقبات.
- وخلف الساتر الترابي اقام العدو عدة خطوط دفاعية محصنة تشكل في مجموعها منطقة دفاعية من اقوى المناطق الدفاعية التى عرفها التاريخ ان لم تكن اقواها على الاطلاق، وقد اطلق على الخط الاول من هذه الخطوط الدفاعية اسم (خط برليف) والذى تكلف إنشاؤه 238 مليون دولار اى ما يقرب من نصف تكاليف السد العالي.
ويتكون خط برليف من 22 موقعا حصينا يضم 31 نقطة تبلغ مساحة كل منها حوالى 4000 متر مربع تقريبا وهى عبارة عن منشأة هندسية معقدة تتكون من عدة طوابق تغوص في باطن الأرض وتعلو حتى تصل الى قمة الساتر الترابي.
ويتكون الطابق الواحد من عدة دشم من الاسمنت المسلح المقوى بالقضبان الحديدية والواح الصلب، وجهزت كل دشمة بعدة فتحات تمكنها من الاشتباك فى جميع الاتجاهات، كما وفرت هذه التحصينات والاعمال الهندسية المختلفة وقاية للنقاط القوية ضد القنابل الثقيلة حتى الف رطل.
كما احاط العدو هذه النقاط بنطاقات كثيفة من الاسلاك الشائكة وحقول الالغام المضادة للدبابات والافراد.
كما حرص العدو فى اختيار مواقع هذه النقاط ان تغطي جميع النقاط الصالحة للعبور.
- اضاف العدو خزانات وقود ومواد حارقة اضافة الى النابلم على شاطئ القناة وقد صممت هذه الخزانات بحيث تضخ على سطح المياه على امتداد القناة مزيجا من النابلم والزيوت سريعة الاشتعال مع كمية بنزين لتكون حاجزا رهيبا من النيران تصل درجة حرارته من 500 الى 700 درجة مئوية مما يجعل من القناة حاجزا كالجحيم يستحيل اختراقة .
وانهى اللواء الجمسي بقوله..
.. بذلك نرى ان قناة السويس وخط برليف ليس مجرد مانع حصين فحسب بل هو مانع فريد ليس له مثيل فى العالم وليس هناك خبرة سابقة فى تاريخ الحروب لعبور مانع مماثل"
وتبعا لذلك فقد تم تكليف الضباط السبعة بوضع حلول عملية لمواجهة هذه المعضلات التى تجعل من العبور امرا مستحيلا.