المبحث الأول
صلاته
كان ـ رحمه الله ـ شديد المواظبة على الصلاة بالجماعة وكان إن مرض يستدعي الإمام وحده ويكلف نفسه القيام ويصلي جماعة، وكان يواظب على السنن والرواتب.
وكان له ركعات يصليها إن استيقظ في الليل وإلا أتى بها قبل الصبح، وما كان يترك الصلاة ما دام عقله عليه، يقول ابن شداد: ولقد رايته يصلي في مرض الذي مات فيه قائماً وما ترك الصلاة إلا في الأيام الثلاثة التي تغيب فيها ذهنه.(23)
وقيل إذا جاء وقت الصلاة وهو راكب نزل فصلى وما قطعها إلا في مرضه.)
المبحث الثاني
زكاته وصدقاته
قال ابن شداد: أما صدقة النفل فإنها استنفذت جميع ما ملكه من الأموال فانه ملك مل ملك ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهماً ناصرية.
وقال سبط ابن الجوزي: ((.. وكان مغرماً بالإنفاق في سبيل الله وحسب ما أطلقه ووهبه مدة بقائه على عكا مرابطاً للفزع من شهر رجب سنة (585هـ) إلى يوم انفصاله في شعبان سنة (588هـ) فكان (12) ألف رأس من الخيل العراب (العربية) والاكاديش الجياد للحاضرين معه وغير ما أطلقه من الأموال)).
المبحث الثالث
صومه
فانه كان عليه من فوائت يسبب أمراض تواترت عليه في رمضانات متعددة، وكان القاضي الفاضل قد تولى ثبت تلك الأيام، وشرع في قضاء تلك الفوائت بالقدس الشريف في السنة التي توفي فيها، وواظب على الصوم، مقدارا زائدا على الشهر.. ويقول ابن شداد فالهم الله تعالى الصوم بقضاء الفوائت فكان يصوم وأنا اثبت الأيام التي يصومها، وكان الطبيب يلومه وهو لا يسمع ويقول: لا اعلم ما يكون، فكأنه كان ملهما ما يراد به رحمة الله تعالى.
المبحث الرابع
حجه
وأما الحج: فأنه كان لم يزل عازماً وناويا له سيّما في العام الذي توفي فيه، ولكن لم يتيسر له بسبب حنيف الوقت، وخلو اليد...
المبحث الخامس
ليله وخلوته
كان ـ رحمه الله ـ يحب سماع القران الكريم حتى أنه كان يمتحن أمامه ويشترط ان يكون عالماً بعلوم القران العظيم متقناً لحفظه.
وكان يستقريء من يحضره في الليل وهو في برجه الجزئين والثلاثة والأربع وهو يسمع. أما في مجلسه العام فقد جرته عادته أن يسمع (15 أو20) آية أو زيادة على ذلك.
وكان أيضاً يحب أن يقرأ الحديث في خلوته. يقول ابن شداد: وكان يستحضرني في خلوته ويحضر شيئاً من كتب الحديث ويقرأها هو فإذا مر بحديث فيه عبرة رق قلبه ودمعت عينه.
ذكر الأشرف الغساني: أنه كان له خرقه (نوع من اللباس) قد أحضرها من الحج فكان يلبس تلك الخرقة كل ليلة، ويخرج إلى المسجد قد بناه في داره ويصلي فيه نحو ثلثي الليل.
المبحث السادس
عدله
كان رحمه الله تعالى يحب أن تأخذ العدالة بمجراها مهما كان الداعي ومهما كان المدعي، لان الحق أحق أن يتبع، ((وقد حدث أن أدعى تاجر يدعى (عمر الخلاطي) على صلاح الدين بأنه أخذ منه أحد مماليكه ويدعى سنقر، واستولى على ما كان لهذا المملوك من ثروة طائلة بدون وجه الحق، وعندما تقدم التاجر المدعي بظلامته (بشكواه) إلى القاضي ابن شداد، أظهر صلاح الدين حلماً كبيراً ورضي أن يقف موقف الخصم من صاحب الدعوى، وأحضر كل من الطرفين من لديه من شهود، وما لديه من أدلة يثبت بها رأيه، حتى اتضح في النهاية ـ ند القاضي ابن شداد ـ كذب الرجل وادعاءه الباطل على صلاح الدين ومع كل هذا رفض صلاح الدين أن يترك المدعي يخرج من عنده خائباً فأمر له بخلعة ومبلغ من المال، ليدلل على كرمه في موضع المؤاخذة مع القدرة)).
((وقد ذكر ابن جبير من مناقب صلاح الدين وآثاره التي أبقاها ذكرا جميلا للدين والدنيا ((أنه أزاله كثيراً من المكوس والضرائب التي كانت مفروضة على الناس على كل ما يباع ويشترى مما دق أوجل، حتى كان يؤدي على شرب ماء النيل المكس))، فألغى صلاح الدين هذا كله)) وإزالته أيضاً المكس والضرائب المفروضة على الحجاج مدة دولة العبيديين.
ومن مناقبه أيضاً ما ذكره ابن جبير عن عدالته وامتثاله للشرع قال: ((وحضره أحد مماليكه المتميزين لديه بالخطوة والأثر مستعديا على جمال ذكر أنه باعه جملا معيباً، أو صرف عليه جملا بعيب لم يكن فيه، فقال السلطان له: فعسى أن اصنع لك، وللمسلمين قاض يحكم بينهم والحق الشرعي مبسوط للخاصة والعامة وأوامره ونواهيه متمثلة، وإنما أنا عبد للشرع وشحنته (والشحنة: صاحب الشرطة)، فالحق يقضي لك أو عليك