موسوعة الاستاذ التاريخية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


موسوعة تاريخية شاملة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 490
تاريخ التسجيل : 12/09/2007

أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي   أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي I_icon_minitimeالأحد فبراير 03, 2008 12:06 am

في الوقت الذي تمس قدمي الأرض أشعر بالمرض، وإذا ركبت يزول عني ألمها)
صلاح الدين
(اللهم فارض عن تلك الروح، وافتح له أبواب الجنة فهو آخر ما كان يرجوه من الفتوح)
القاضي الفاضل
مقدمة:
الحمد لله رب العالمي، والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أنجب الإسلام عظماء في شتى العلوم والمعارف، وعلى مر العصور والدهور، وما يزال هذا الدين والى يوم القيامة ينجب العلماء الأفاضل، الذين يبينون شرع الله لخلق الله تعالى، والأبطال الأشاوس الذين يدافعون عن حرماته ومقدساته، وكان صلاح الدين من هؤلاء الأبطال العظام الذين خلدهم التاريخ والى الأبد.

واعلم ((أن للبطولة درجات وأنواع، فهناك في التاريخ بطولة محلية إقليمية على مستوى القرية أو المدينة أو الإقليم، وهناك بطولة عالمية على مستوى الوطن الكبير للإنسان، والبطل في النوع الأخير لا يخلد اسمه في تاريخ وطنه الصغير أو في تاريخ البشرية، فينال إعجاب الأعداء والأصدقاء جميعاً، ويردد اسمه أناس لا تربطهم به صلة من الصلات الأصلة الانتماء إلى الوطن البشري الكبير)) فكان بطولة صلاح الدين من هذا النوع من البطولات العالمية.
صلاح الدين الذي أحيا روح الجهاد بعد ما خمدت، ونزع الخوف من قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، فاسترد بيت المقدس بهم بعد ما فقد، فكان هو المهندس لهذا الفتح العظيم.
صلاح الدين وقبل فتحه القلاع والحصون فتح القلوب والصدور وعدله، وكرمه، وإحسانه، ولطفه وحلمه وسماحته وحبه لرعيته ووفائه...، ثم بعدها سار إلى فتح البلدان بعد زرعه الأمان بأخلاقه النابعة من روح الدين الإسلامي، وبإيمانه العميق بالله تعالى.
بأخلاقه دخل صلاح الدين قلوب أعداءه وأصحابه معاً، وبأخلاقه استطاع أن يوحد أقطاراً وبلاداً تحت سلطته، وبأخلاقه أقبل عليه العلماء والفقهاء والشعراء والمؤرخين وأصحاب المهارات والأرامل واليتامى والفقراء والمساكين وذوي الحاجات.
وما هذا البحث الموجز إلا بيان لبعض أخلاق وصفات هذا السلطان العظيم والقائد الكردي الكبير والفاتح الذي قلما يجود الزمان بمثله.
ملاحظةSad هذا جزء من بحث مختصر عن صلاح الدين الأيوبي، فقط الفصل الذي يتحدث عن أخلاقه. والبحث عبارة عن مشروع كتاب صغير يتحدث عن ولادته وأهم بطولاته وفتوحاته وأخلاقه ووفاته وما قيل فيه).
والفصل الذي يتحدث عن أخلاقه فيه عدة مباحث:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tarekh.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 490
تاريخ التسجيل : 12/09/2007

أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي   أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي I_icon_minitimeالأحد فبراير 03, 2008 12:07 am

المبحث الأول
صلاته
كان ـ رحمه الله ـ شديد المواظبة على الصلاة بالجماعة وكان إن مرض يستدعي الإمام وحده ويكلف نفسه القيام ويصلي جماعة، وكان يواظب على السنن والرواتب.
وكان له ركعات يصليها إن استيقظ في الليل وإلا أتى بها قبل الصبح، وما كان يترك الصلاة ما دام عقله عليه، يقول ابن شداد: ولقد رايته يصلي في مرض الذي مات فيه قائماً وما ترك الصلاة إلا في الأيام الثلاثة التي تغيب فيها ذهنه.(23)
وقيل إذا جاء وقت الصلاة وهو راكب نزل فصلى وما قطعها إلا في مرضه.)

المبحث الثاني
زكاته وصدقاته

قال ابن شداد: أما صدقة النفل فإنها استنفذت جميع ما ملكه من الأموال فانه ملك مل ملك ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهماً ناصرية.
وقال سبط ابن الجوزي: ((.. وكان مغرماً بالإنفاق في سبيل الله وحسب ما أطلقه ووهبه مدة بقائه على عكا مرابطاً للفزع من شهر رجب سنة (585هـ) إلى يوم انفصاله في شعبان سنة (588هـ) فكان (12) ألف رأس من الخيل العراب (العربية) والاكاديش الجياد للحاضرين معه وغير ما أطلقه من الأموال)).

المبحث الثالث
صومه
فانه كان عليه من فوائت يسبب أمراض تواترت عليه في رمضانات متعددة، وكان القاضي الفاضل قد تولى ثبت تلك الأيام، وشرع في قضاء تلك الفوائت بالقدس الشريف في السنة التي توفي فيها، وواظب على الصوم، مقدارا زائدا على الشهر.. ويقول ابن شداد فالهم الله تعالى الصوم بقضاء الفوائت فكان يصوم وأنا اثبت الأيام التي يصومها، وكان الطبيب يلومه وهو لا يسمع ويقول: لا اعلم ما يكون، فكأنه كان ملهما ما يراد به رحمة الله تعالى.

المبحث الرابع
حجه
وأما الحج: فأنه كان لم يزل عازماً وناويا له سيّما في العام الذي توفي فيه، ولكن لم يتيسر له بسبب حنيف الوقت، وخلو اليد...
المبحث الخامس
ليله وخلوته

كان ـ رحمه الله ـ يحب سماع القران الكريم حتى أنه كان يمتحن أمامه ويشترط ان يكون عالماً بعلوم القران العظيم متقناً لحفظه.
وكان يستقريء من يحضره في الليل وهو في برجه الجزئين والثلاثة والأربع وهو يسمع. أما في مجلسه العام فقد جرته عادته أن يسمع (15 أو20) آية أو زيادة على ذلك.
وكان أيضاً يحب أن يقرأ الحديث في خلوته. يقول ابن شداد: وكان يستحضرني في خلوته ويحضر شيئاً من كتب الحديث ويقرأها هو فإذا مر بحديث فيه عبرة رق قلبه ودمعت عينه.
ذكر الأشرف الغساني: أنه كان له خرقه (نوع من اللباس) قد أحضرها من الحج فكان يلبس تلك الخرقة كل ليلة، ويخرج إلى المسجد قد بناه في داره ويصلي فيه نحو ثلثي الليل.

المبحث السادس
عدله

كان رحمه الله تعالى يحب أن تأخذ العدالة بمجراها مهما كان الداعي ومهما كان المدعي، لان الحق أحق أن يتبع، ((وقد حدث أن أدعى تاجر يدعى (عمر الخلاطي) على صلاح الدين بأنه أخذ منه أحد مماليكه ويدعى سنقر، واستولى على ما كان لهذا المملوك من ثروة طائلة بدون وجه الحق، وعندما تقدم التاجر المدعي بظلامته (بشكواه) إلى القاضي ابن شداد، أظهر صلاح الدين حلماً كبيراً ورضي أن يقف موقف الخصم من صاحب الدعوى، وأحضر كل من الطرفين من لديه من شهود، وما لديه من أدلة يثبت بها رأيه، حتى اتضح في النهاية ـ ند القاضي ابن شداد ـ كذب الرجل وادعاءه الباطل على صلاح الدين ومع كل هذا رفض صلاح الدين أن يترك المدعي يخرج من عنده خائباً فأمر له بخلعة ومبلغ من المال، ليدلل على كرمه في موضع المؤاخذة مع القدرة)).
((وقد ذكر ابن جبير من مناقب صلاح الدين وآثاره التي أبقاها ذكرا جميلا للدين والدنيا ((أنه أزاله كثيراً من المكوس والضرائب التي كانت مفروضة على الناس على كل ما يباع ويشترى مما دق أوجل، حتى كان يؤدي على شرب ماء النيل المكس))، فألغى صلاح الدين هذا كله)) وإزالته أيضاً المكس والضرائب المفروضة على الحجاج مدة دولة العبيديين.
ومن مناقبه أيضاً ما ذكره ابن جبير عن عدالته وامتثاله للشرع قال: ((وحضره أحد مماليكه المتميزين لديه بالخطوة والأثر مستعديا على جمال ذكر أنه باعه جملا معيباً، أو صرف عليه جملا بعيب لم يكن فيه، فقال السلطان له: فعسى أن اصنع لك، وللمسلمين قاض يحكم بينهم والحق الشرعي مبسوط للخاصة والعامة وأوامره ونواهيه متمثلة، وإنما أنا عبد للشرع وشحنته (والشحنة: صاحب الشرطة)، فالحق يقضي لك أو عليك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tarekh.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 490
تاريخ التسجيل : 12/09/2007

أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي   أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي I_icon_minitimeالأحد فبراير 03, 2008 12:07 am

المبحث السابع
كرمه
كان ـ رحمه الله تعالى ـ يعطي في الوقت الضيق كما يعطي في حالة السعة، وكان نواب خزانته يخفون عنه شيئاً من المال حذراً أن يفاجئهم مهمة أو حاجة لعلمهم بأنه متى علم به أخذه وصرفه.
وكان يكرم أكثر ما يعطي وكان قد عرفه الناس فكانوا يستزيدونه في كل وقت.
وقيل: وما حضر بين يديه يتيم إلا وترحم على من خلفه وجبر قلبه وأعطاه ما يكفيه، فان كان له كافل سلمه إليه ولا كفله.
وقيل أيضا: سرق يوماً من خزانته ألف دينار وجعل في الكيس نقوداً فما قال شيئاً، وقال آخر: ولقد أبدل في خزانته كيسان من ذهب المصري من النقود فما عمل بالنواب شيئاً سوى أنه صرفهم من عملهم لا غير.
وقال ابن قاضي شهية: أنه كان يجود بالمال في سبيل الله قبل الوصول إليه. قال ابن شداد: در ورأيته قد أجتمع عنده جمع من الوفود بالمقدس الشريف، وكان قد عزم على التوجه إلى دمشق، ولم يكن في خزانته ما يعطي الوفود، فلم أزل أخاطبه في معفاهم (أي صرفهم) حتى باع قرية من بيت المال وفضضنا ثمنها عليهم ولم يفضل درهم واحد.

المبحث الثامن
صبره واحتسابه
تجلى في شخص صلاح الدين أعظم علامات وآيات الصبر والاحتساب، وقد ترجم أخلاقه العالية إلى عمل وفعل، وذلك بما يكنه قلبه العظيم من إيمان بالله تعالى وبالقضاء والقدر، حادثة يرويه ابن شداد عنه، وهي موت فلذة كبره وأي حادثة أعظم من موت فلذات أكبادنا، هنا تظهر صفات وسمات صلاح الدين القائد، القدوة، المؤمن، الأب العطوف الرحيم وهذا الحادثة كما يروي ابن شداد، في أن صلاح الدين كان له ابن اسمه إسماعيل، فجاءه خبر وفاته فتجلد وصبر واحتسب ولم يحدث أحداً، ولم يظهر عليه شيء من الألم سوى دمعة ذرفه من عينيه، وعندها قلت: ((فانظروا إلى هذا الصبر والاحتساب، والى أي غاية بلغ هذا الرجل، اللهم انك ألهمته الصبر والاحتساب، ووفقته له، فلا تحرمه ثوابه يا ارحم الراحمين)).
جاءه عند حلب خبر بقتل أخيه تاج الملوك، وجاءه بان هزيمة عكا خبر بموت أخيه الملك المظفر وكان من أعظم مهندسيه في تحصين القلاع وتدبيرها وحراستها فلم يغير مظهره في المعركتين حينما جاءه بريد السر بموت هذا وقتل ذاك.

المبحث التاسع
تفرغه للرعية
وكان يجبس يومي الاثنين والخميس في الأسبوع يسمع شكاوي المظلومين وتوسلاتهم في مجلس عام يحضره الفقهاء والقضاة والعلماء ويفتح الباب للمتحاكمين حتى يصل إلى كل أحد من كبير وصغير وعجوز وهرم ـ شيخ كبير ـ وكان يفعل ذلك في سفره ومكان إقامته.
وكان رحمه الله ـ حتى في الليل فينظر في طلبات المحتاجين المكتوبة مع الكاتب ويوقع على كل قطعة بما يفتح الله على قلبه ولم يرد قاصداً أبداً ولا منتحلاً ولا طالب حاجة.
ومع هذا كان يتفقد الرعية، اجتاز يوماً على صبي صغير بين يدي أبيه وهو يقرأ القران فاستحسن قراءته فوقف عليه وعلى أبيه مزرعة.
ويقوا ابن شداد: وما استغاث إليه أحد إلاّ وقف وسمع قضيته وكشف ظلامته وأخذ بقصته.

المبحث العاشر
عنايته بجنده وأمرائه
لم يكن صلاح الدين من القادة الذين يهملون جنودهم ويدعون أمرائهم ولا يسأل عنهم، بل تجاوز الحد إلى أن يسأل عنهم حتى وهم في راحتهم أو إجازتهم يقول ابن شداد: وكان يسأل الواحد من عن رضه ومداواته وطعمه ومشربه وتقلبات أحواله.
ويقول الأستاذ المرحوم محمد كرد علي في كتابه خطط الشام: ((كان صلاح الدين يعني بجنده ويسأل عن صحة أمرائه ومن دونهم في راحتهم ومنامهم وأكلهم وشربهم. حارب المحارب مدة معينة ثم يذهب إلى ذويه على أرق الأصول المتعارفة في الحروب الحديثة، والغنائم تقسم بين المتحاربين بحيث يغتني أفرادهم وجماعاتهم دع مالهم من الأموال الدارة من أموال الجباية والرسوم على التجار وما خصوا به من الحرمة ورفعة الشأن)).
ويقول أيضاً: ((...وكان يعطي دستوراً أن يسرح عسكره أوائل الشتاء ويبقي في شرذمة يسيرة في مقابل عدتهم الكثيرة)).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tarekh.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 490
تاريخ التسجيل : 12/09/2007

أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي   أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي I_icon_minitimeالأحد فبراير 03, 2008 12:11 am

المبحث الحادي عشر
حبه للجهاد
كان رحمه الله تعالى ـ مضرب المثل في الشجاعة والأقدام، والتضحية والفداء وقد شهد له بذلك الأعداء قبل الأصدقاء، لم يمنعه منصبه ومكانته بان يكون في مقدمة الجيوش المحاربة والصفوف المتقدمة، وفي ساحات النزال، وفي الدوريات والاستطلاعات اليومية، ولم يكن من القادة والملوك الذين يتربصون على كرسي الزعامة ويصدرون الأوامر والتوجيهات إلى أتباعهم وجنودهم ويقذفونهم إلى ساحات المعركة، وهم آمنون مسالمون، وهم القادة والأبطال والفرسان الشجعان في النصر والهزيمة.
وقد كان هذا البطل كما يذكر الأستاذ المرحوم محمد كرد علي:
((لابد له من أن يطوف حول العدو كل يوم مرة أو مرتين إذا كان قريباً منهم، وإذا اشتد الحرب يطوف بين الصفين ويخرق العساكر من الميمنة إلى المسيرة يرتب الصفوف ويأمرهم بالتقدم والوقوف في مواضع، وكان يشارف العدو ويجاورهم)).
ويقول أن شداد: ((لقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاء عظيماً، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلته، ولا كان له اهتمام إلا برجاله، ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحث عليه، لقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وأولاده، ووطنه وسائر بلاده، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل قيمة تهابها الرياح ميمنة وميسرة)).
وقد كان كثيراً يقود الجيوش وهو يعاني الآم المرض، حيث لم يكن مرضه يمنعه من مفارقة ظهر الفرس أو تنظيم جيوشه.. وكان حين ينصحه أصحابه بالاستراحة (والنزول من ظهر فرسه) كان رحمه الله يرد عليهم: ((في الوقت الذي تمس قدمي الأرض أشعر بمرض)) ، وكان القاضي ابن شداد يتعجب من ذلك فيرد عليه صلاح الدين قائلاً: ((إذا ركبت يزول عني ألمها)).
ويقول عبدالعزيز سيد الأهل:انه لفارس ارتبط بمتن فرسه، ولم يفارقه كمنزل متنقل، أكثر من ربع قرن، حتى انه كان يمرض فيحملونه إلى الخيمة فيثقل عليه المرض، حتى إذا شدوه إلى ظهر حصانه اعتدل وعوفي أو نسي العلة؛ لأنه سكن إلى فراشه الوثير وركب صهوة ملكه وسلطانه.
ولقد أعوج ساقاه من كثرة ركوبه، فكان إذا مشي على الأرض عرج فلم ير أن يراه الناس إلا راكباً، كما لم يره الناس منذ انفتحت عليه أبصارهم قد خلع لباس الجندي إلاّ مرة واحدة في دمشق، وكانت قبل وفاته بأيام.


المبحث الثاني عشر
مجالسه
بينا أنه كان في خلواته يحب سماع القران الكريم أو قراءة شيء من الحديث النبوي الشريف، أما في مجالسه العامة فانه كان يستفتحها بتلاوة بعض آيات من القران الكريم، قبل أن يبدأ مجلسه.
يقول العماد الأصفهاني: ((.… وكانت مجالسه متنزهة عن الهزء والهزل وحافلة بأهل العلم والفضل ويؤثر سماع الحديث، وكان من جالسه لا يعلم أنه جالس سلطانه لتواضعه)) ومع هذا كان السلطان في مجالسه يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، يقول الأصفهاني: ((ورأى معي يوماً دواة محلاة بفضة فأنكر علي وقال: ما هذا؟ فلم أكتب بها عنده بعدها)).
ويقول ابن شداد: ((وكان طاهر المجلس لا يذكر بين يديه احد إلاّ بخير، وطاهر السمع فلا يحب أن يسمع عن أحد إلى بخير، وطاهر اللسان فما رأيته يشتم قط، وطاهر القلم فما كتب بقلمه إيذاء مسلم قط)).
ويقول ابن خلكان: وكان يستحسن الأشعار الجيدة ويردها في مجلسه منها يقول ابن إسحاق الحميري:
وزارني طيف من أهوى على حذر من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا
فكدت أوقظ من حـولي به فرحا وكاد يهتك ستر الحب بي شغفاً
ثم انتبهـت وآمـالي تخيل لـي نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا(57)
وكان يعجبه قوا ابن المنجم المغربي وهو في خضاب الشعب:
وما خَضبت الناس البَياض لقبره
وأقبحَ فيه حين يَظهر ناصِله
ولكن مات الشَبابَ فَسوَّدتْ
على الرسم من حَزنٍ عليه مُنازله
قالوا: فكان إذا قال مات الشباب: يمسك كريمته وينظر إليها ويقول: أي والله مات الشباب.(58)
وأيضاً كان يرد قول ابن الشحنة:
أيّها الغائبون عنا وان كنـ
تم تقلبي بذكركم جيرانا
إنني منذ فارقتكم لاراكم
بعيون الضمير عندي عيانا
قيل أنه كان في أول ملكه كتب هذين البيتين إلى بعض أصحابه بدمشق.


المبحث الثالث عشر
زهده
كان رحمه الله تعالى ـ عازفاً عن الدنيا وزينتها، لم تفتنه أموال ملكه الواسع، ولم تغره أبهة الملك، وعظمة السلطة فمن أقواله: ((إن المال والتراب سيان عندي)) ومما يدل على انقطاعه عن زينة الدنيا ومباهجها ما يقول كاتبه العماد الأصفهاني إذ يقول: ((لم يكن له فرس يركبه إلا وهو موهوب أو موعود به وصاحبه ملازم في طلبه، وما حضر اللقاء إلا استعار فرساً فركبه وهجر جياده، فإذا نزل جاء صاحبه فاستعاده…)).
وقيل أن والي الشام بنى قصراَ منيفاَ بديعاَ له، فنظر إليه ولم يكترث به، ثم قال: ((ما كنا لنجلس في هذا المكان إلى الأبد، فهذا المنزل لا يصلح لمن يطلب الموت، وما نحن هنا إلا لنقوم بخدمة الله سبحانه))، أو بعبارة أخرى: ((.. هذا القصر ليس لائقاً لشخص يقترب منه أجله، غرضنا خدمة الله ليس غير)).


المبحث الرابع عشر
عطفه وشفقته
كان رحمه الله تعالى سريع الدمعة عظيم الشفقة حتى مع أعدائه، قيل انه كان للمسلمين لصوص يدخلون منازل الفرنج بالليل ويسرقونهم، فسقوا ليلة صبياً فباتت أمه تبكي طول الليل، فقال لها الفرنج: أن سلطانهم رحيم القلب فاذهبي إليه، فجاءته وهو على تل الخروبة (حصن بأهل الشام مشرف على عكا) ـ راكب، فعفرت وجهها وبكت، فسأل عنها، فأخبر بقصتها، فرق لها ودمعت عيناه، وتقدم إلى مقدم اللصوص بإحضار الطفل، ولم يزل واقفاً حتى أحضروه، فلما رأته بكت وشهقت وأخذته وأرضعته ساعة وضمته إليها، وأشارت إلى ناحية الفرنج فأمر أن تحمل على فرس وتلحق بالفرنج ففعلوا.
المبحث الخامس عشر
وصيته لابنه الملك الظاهر
قال رحمه الله تعالى وهو يوصي ابنه:
ومن جملة هذه الوصايا:
1- أوصيك بتقوى الله تعالى فإنها رأس كل خير.
2- وأمرك بما أمرك الله به فانه سبب نجاتك.
3- واحذر من الدماء والدخول فيها، والتقلد بها فان الدم لا ينام.
4- وأوصيك بحفظ قلوب الرعية والنظر في أحوالهم، فأنت أميني وأمين الله عليهم.
5- وأوصيك بحفظ قلوب الأمراء وأرباب الدولة والأكابر، فما بلغت إلا بمداراة الناس.
6- ولا تحقد على أحد فان الموت لا يبقي على احد.
7- واحذر ما بينك وبين الناس فانه لا يغفر إلا برضاهم، وما بينك وبين الله يغفره الله بتوبتك إليه فانه كريم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tarekh.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 490
تاريخ التسجيل : 12/09/2007

أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي   أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي I_icon_minitimeالأحد فبراير 03, 2008 12:11 am

المبحث السادس عشر
قول الموفق عبداللطيف البغدادي الراحلة فيه:
قال: ((رأيت السلطان صلاح الدين على القدس فرأيت ملكاً عظيماً يملأ القلوب روعه والعيون محبه، قريباً، بعيداً، سهلاً، محبباً، وأصحابه يتشبهون به يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل) - الحجر(47) – وأول ليلة حضرته وجدته مجلسا حفلاً بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم وهو يحسن الاستماع والمشاركة، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق ويتفقه في ذلك، وكان مهما في بناء سور القدس وحفر خندقه يتولى ذلك بنفسه وينقل الحجارة على عاتقه ويتأسى به جميع الأغنياء والفقراء فيركب لذلك قبل طلوع الشمس إلى وقت الظهر ويأتي داره.. ثم يستريح ويركب العصر ويرجع في ضوء المشاعل، ويصرف أكثر الليلة في تدبير ما يعمله نهاراً...)).


المبحث السابع عشر
أخلاق وصفات أخرى
كان رحمه الله تعالى:
• يغلط على الكافرين الفاجرين ويلين للمؤمنين المتقين.
• يؤثر سماع الحديث بالأسانيد، وتكلم العلماء عنده في العلم الشرعي المفيد، وكان مداومة الكلام مع الفقهاء ومشاركة القضاة في القضاء اعلم منهم بالأحكام الشرعية والأسباب المرضية والأدلة المرعية.
• من جالسه لا يعلم أنه جليس السلطان بل يعتقد انه جليس أخ من الإخوان، وكان حليماً مقيلاً للعثرات، متجاوز عن الهفوات، نقياً تقياً، وفيا صفياً يفضي ولا يغضب ويبشر ولا يتقطّب، ما رد سائلاً ولا صد نائلاً ولا اخجل قائلاً ولا خيب أملاً.
• كان كثير التعظيم لشعائر الدين..، مبغض الفلاسفة والمعطلة والدهرية ومن يعاند الشريعة، حسن الظن بالله كثير الاعتماد عليه عظيم الإنابة إليه.
• دقيق القلب، خاشع الدمعة، إذا سمع القران يخشع قلبه وتدمع عينه في نعظم أوقاته.
• كان عادلاً رءوفاً رحيماً ناصراً للضعيف على القوي.
• رءوفاً بالرعية بما فيه عاملا به لا يمدوه أبداً.
• حسن العشرة لطيف الأخلاق طيب الفكاهة حافظاً لأنساب العرب ووقائعهم، ومصيرهم وأحوالهم. علماً بمصائب الدنيا ونوادرها.
• حسن العهد والوفاء، وكان لا يرى شيء إلا ويرق له ويعطيه ويحسن إليه.
• حليماً كريماً كثير الخير والإحسان، وكان كثير الحياء، لم يكلمه جليساً له إلا وهو مطرق، وما قال في شيء مسألة إلا حياءً وكرم طبع.
• ما يلبس إلا ما يحل لبسه كالكتان والقطن والصوف ومن ماله.
• كريماً حليما رحيماً، حسن الأخلاق متواضعاً صبوراً لطيفاً.
• لا يتكبر على أحد من أصحابه، وكان يعيب الملوك المتكبرين بذلك، وكان يحضر عنده الفقراء والصوفية ويعمل لهم السماعات والأوقاف.
• مع هذه المملكة المتسعة والسلطنة العظيمة كثير التواضع واللطف قريباً من الناس، رحيم القلب كثير الاحتمال والمداراة.. وكان يميل إلى الفضائل ويستحسن الأشعار الجيدة ويردها في مجلسه.
• مجلسه يجمع الفضلاء والفقراء، وأصحابه كأنما هم على قلب رجل واحد محبة فيه .
• يحترم أصحابه ورعيته، وكانوا يقابلونه بالطاعة في كل ما يقول، وكان إذا رأى نقصاً من أحدهم لا يجابههم به أبداً.
• قليل الكلام والمقربون منه أيضاً كانوا يحذون حذوه.
• لا يتمكن من ضبط عواطفه الجياشة حين يرى يتيماً يائساً ولا يحول دون انسكاب دموع الشفقة والرحمة من عينيه حين يرى شيخاً طاعناً في لهوهم.
• تمسك بالعدالة إلى أقصى درجة فكان يعاقب كل من خالفها.
• وكان همه الأكبر نصر الإسلام.
• وكانت عنده فضيلة تامة في اللغة والأدب وأيام الناس.
• وكان يفهم ما يقال بين يديه من البحث والمناظرة، ويشارك فيها.
• لا تأخذه في الله لومة لائم.
• كان مع أشجع الناس وأقواهم بدناً وقلباً مع ما كان بعثري جسمه من الأمراض والأسقام.
• كان يزداد قوة وشجاعة كلما ازداد عدد العدو المقابل.


المبحث الثامن عشر
وفاته
توفي رحمه الله تعالى بالحمى الصفراوية، وقد اشتد عليه في الأيام الأخيرة من حياته، وكان يوم السابع والعشرين من صفر سنة 589هـ/ 4- آذار – 1193م. هو آخر يوم في حياة هذا البطل العظيم بعد أن بلغ السابعة والخمسين من عمره.
يقول الإمام أب جعفر القرطبي: ((… إنني انتهيت في قراءة القران إلى قوله تعالى (هو الله الذي لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة)الحشر الآية (22)، فسمعت صلاح الدين وهو يقول: صحيح، وكانت هذه يقظة الحاجة، واني لما بلغت الآية (لا اله إلاّ هو عليه توكلت..)، تبسم وتهلل وجهه، وقد كان ذهنه قبل ذلك غائباً، ثم انسحب الروح إلى باريها. بعد صلاح الدين الصبح من يوم الأربعاء)).
ويقول القاضي ابن شداد، واصفاً ذلك اليوم: ((.. وكان يوماً لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله، فقد أن فقدوا الخلفاء الراشدين، وغشي القلعة والبلد والدنيا من الوحشة ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وبالله لقد كنت اسمع من بعض الناس إنهم يتمنون فداءه بنفوسهم، وما سمعت هذا الحديث إلا بضرب من التجوز والترخص إلا في ذلك اليوم، فاني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قبل الفاء لفدى بالنفس.. وكان أولاده يخرجون مستغيثين إلى الناس فتكاد النفوس تزهق لهول منظرهم، ودام الحال على ذلك إلى بعد صلاة الظهر.. وكان نزوله في حفرته ـ قدس الله روحه ونور ضريحه ـ قريباً من صلاة العصر.. فما وجد قلب الآخرين، ولا عين إلا باكية إلا ما شاء الله. ثم رجع الناس إلى بيوتهم أقبح رجوع)).
ويصف القاضي الفاضل ذلك اليوم برسالة يكتبها إلى ولده الملك الظاهر، جاء فيها: ((… وقد زلزل المسلمون زلزالاً شديداً، وقد صفرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر، وقد ودعت أباك ومخدومي وداعاً لا تلاقي بعده، وقبلت وجهه عني وعنك.. وبالباب من الجنود المجندة، والأسلحة المضمدة ما لا يدفع البلاد ولا ملك يرد القضاء، وتدمع العين ويخشع القلب، ولا نقول إلا ما يرضى الرب، وأنا عليك لمحزونون يا يوسف..)).
ويقول القاضي الفاضل: وقد كتبت على قبره هذه العبارة:


((اللهم فأرضى عن تلك الروح، وافتح له أبواب الجنة، فهو آخر ما كان يرجوه من الفتوح)).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tarekh.ahlamontada.com
 
أخلاق الناصر صلاح الدين الأيوبي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موسوعة الاستاذ التاريخية :: التاريخ الاسلامي :: الحروب الصليبية-
انتقل الى: