مصطفى كمال اتاتورك
لئن كانت هناك شخصية في التاريخ قد أثرت في الأمة الإسلامية ، فمزقت وحدتها ، وفرقت جماعتها ، وكان لها اليد الطولى في مسخ شخصيتها؛ وتضليل مفاهيمها ، والتمكين لأعدائها منها فتلك الشخصية هي شخصية "مصطفى كمال أتاتورك" ذاك الذي نجح فيما فشلت فيه قوى الكفر منذ فجر الإسلام وعلى مدار أربعة عشر قرناً من الزمن .
أتاتورك الذي قدم لأعداء الإسلام خدمة جليلة لو مكثوا الدهر يحمدوه عليها ما وفوه حق تلك الخدمة .
أتاتورك الذي قضى على الخلافة الإسلامية لبني عثمان ؛ فكانت أكبر طامة رزئت بها أمة الإسلام في تاريخها إلى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله .
أتاتورك الذي صار رمزاً للعداء لكل ما هو إسلامي ، ومثلاً أعلى لكل محارب معاند لدين الله ، وإماماً وقدوة لكل علماني كاره لشرعة الإسلام ولكل ما يتصل به ولو من بعيد .
ولد أتاتورك عام 1881م في مدينة سالونيك وهي مدينة عامرة باليهود والأرمن واليونايين والبلغار ، وكلها طوائف كارهة للإسلام ناقمة علىدولة بني عثمان فنشأ في هذا الجو المشحون بكراهية الإسلام وبغض الخلافة ، فأشرب قلبه هذه الكراهية... أضف إلى ذلك ما يقال إن والده علي رضا أفندي من طائفة المتهودة - أي أنه مسلم ينحدر من أصل يهودي .
لم تكن النشأة هي أعجب ما في حياة هذا الرجل ، وإنما الأعجب أن تلتقطه أيدي الرهبان في دير قريب منهم في سالونيك ؛ فعلموه اللغة الفرنسية - التي أحبها وأعجب بها ، وأمدوه بالكتب الأجنبية التي تغذي ميوله الثورية ، وتوجه تكوينه الفكري ؛ فتأثر بالغرب ومفكريه ، وأعجب بهم ورغب في محاكاتهم ، وامتلأت نفسه احتقاراً للدولة العثمانية الإسلامية ، وترسبت في أعماقه فكرة القضاء على الخلافة .
في هذه الأثناء كان خاله قد ألحقه بإحدى المدارس العسكرية "المجانية" فتفوق بها والتحق بسلك الضباط... وفي سنة 1905م أصبح أتاتورك ضابط أركان حرب في الجيش فانفتح أمامه سبيل الترقي ، وزادت فرصته في تحقيق أمنية حياته . انضم وهو في كلية أركان الحرب إلى جميعة "الوطن الثورية" التي كانت تُحضّر لتقويض الخلافة من أساسها ، ولكن تم كشف أمرهم ، وقبض عليهم ، وأودع أتاتورك السجن وبعد مدة أطلق سراحه .
ومرة أخرى يلتحق "أتاتورك" بحزب "الاتحاد والترقي" العلماني الماسوني ، والذي كان يعمل تحت الحماية الغربية ، وكانت اجتماعاته تعقد في بيت بعض اليهود ودور الجمعيات الماسونية ، وقد نجح زعماء الاتحاد والترقي في إشعال ثورة في مقدونيا ضد السلطان عبد الحميد ، وعلا شأن زعماء الثورة خاصة بعد أن أعلن السلطان استعداده لاستقبال الثوار والنظر في مطالبهم ، وفي هذا الوقت قامت ثورة شعبية في "اسلامبول" العاصمة تندد بزعماء الاتحاد والترقي وتندد بالثورة ضد السلطان ، وهنا زحفت قوى الجيش - الذي كانت الماسونية قد تغلغلت بين قادته - فأخمدوا ثورة الشعب بالقوة ، وعزلوا السلطان عبد الحميد وعينوا بدلاً منه ابن عمه السلطان عبد المجيد ، وأصبحت مقاليد الحكم الفعلية في يد قادة الاتحاد والترقي .
في عام 1914م دخلت تركيا الحرب العالمية بجانب المانيا ، وانتهت الحرب بهزيمة دول المحور وقسمّت دولة الخلافة ، وفي خلال الحرب ارتفع نجم "كمال أتاتورك" وأظهر على أنه قائد وطني .
في يوم 29 اكتوبر سنة 1923م أعلنت الجمهورية وانتخب أتاتورك أول رئيس للجمهورية التركية ، وكان لهذا الانتخاب أثره الكبير ليس على تركيا فحسب - ولكن علىكل الدول الإسلامية قاطبة لما قام به الرئيس من اتخاذ قرارات وممارسات ما زالت آثارها ممتدة حتى يومنا هذا .
في يوم 3 مارس سنة 1924م أظهر أتاتورك خبث نيته ، وسوء طوبته ، فأعلن إلغاء الخلافة الإسلامية ، وطرد الخليفة ، وفصل الدين عن الدولة - دون مناقشة في الجمعية العمومية؟؟- وصدر قانون يحكم بالإعدام على من يتآمر لعودة الخلافة.
وفي نفس العام صدر قانون بإلغاء التعليم الديني وجعل التعليم مدنياً فقط .
في عام 1925م قام بإجبار تركيا كلها على هجر الإسلام كلية ، وشرع قانونه لنزع حجاب المرأة المسلمة ، وراقب تنفيذه بنفسه ، وعاقب مخالفيه ، وشنق معارضيه وكان نزع الحجاب يتم بالإرهاب والإهانة في الطرقات ، فكانت الشرطة إذا رأت امرأة متحجبة تقوم بنزع حجابها فوراً وبالقوة .
وكان أتاتورك يجوب تركيا لابساً القبعة الإفرنجية ، وكان يثور إذا رأي رجلاً يلبس الطربوش ، حتى إنه أثار أزمة مع سفير مصر في أنقرة إذا صرخ فيه في إحدى الحفلات: "قل لملكك أني لا أحب هذا اللباس" .
ألغى الرئيس التعامل باللغة العربية ، وألغى العيدين ، وجعل عطلة الأسبوع يوم الأحد ، وعطلت الصلوات بمسجد أيا صوفيا ، وأُسكت المؤذنون ، وتحول المسجد إلى متحف وبيت أوثان ، حتى الآيات التي كانت على جدرانه أمر بطمسها.
في سنة 1926م ألغى الزواج الشرعي ، وجعله مدنياً فقط ، وأصدر قانوناً يمنع تعدد الزوجات ، واستبدل التقويم الهجري بالتقويم الميلادي .
والخلاصة أن أتاتورك عمل على إزالة كل أثر للإسلام بتركيا ، واستجلب للناس كل غربي وحسنه إليهم .
والعجيب أن يكون هذا الرجل مثالاً للوطنية ورمزاً لكل من يدعيها ولكن هل الوطنية تجعل في قلب المواطن كل هذا البغض للإسلام وأهله؟ لقد بحثت عن سبب هذه الكراهية فكانت الإجابة في أمرين :- الأول: - حديث نشرته مجلة الإسلام 17 جمادى الأول 1354 هـ (صفحة 43-44) أجرته معه مس جريس أليسون قال لها فيه: "إنك تتحدثين عن الدين ألا فأعلمي أني رجل لا دين له ، وكثيراً ما وددت أن أقذف بجميع الأديان إلى البحر .
الثاني: - ما جاء في دائرة المعارف الماسونية صفحة 162 بالحرف الواحد:- "إن الانقلاب الذي قام به الأخ "مصطفى كمال أتاتورك" أفاد الأمة الماسونية، فقد أبطل السلطنة، وألغى الخلافة الإسلامية ، وأبطل المحاكم الشرعية ، وابعد دين الإسلام عن الحياة" . لقد أطاح أتاتورك بدولة الخلافة ، واقام على أنقاضها دولة علمانية على غرار دول الغرب طلباً للرقي والتقدم -على حد زعم كل علماني- ولكن تقليد الغرب وترك التراث والأصالة لم ولن يعود بالتطور والنماء على تركيا ولا غيرها ، وما زالت تركيا (العلمانية) حتى يومنا هذا غير مرغوب فيها أوروبياً ، ففقدت الدولة مجدها القديم ولم تستطع تحقيق مجد جديد .
ورغم أن أتاتورك قد مات عام 1938م ، إلا أنه ما زال يحكم تركيا حتى اليوم بما سن لها وشرع ، والله يعامله بما يستحقه