بعد مصرع توران شاه سنة 647 هـ اختار الأمراء شجر الدر سلطانة على مصر ، على أن يكون الأمير عز الدين أيبك مقدماَ للعساكر . ويعتبر بعض المؤرخين توران شاه آخر سلاطين الدولة الأيوبية ، ويعتبرون شجر الدر التي خلفته أول سلاطين المماليك ، مستندين في ذلك إلى أنها كانت – بحكم أصلها – من المماليك . بينما يرى بعض المؤرخين أن شجر الدر آخر سلاطين الدولة الأيوبية . وفي ذلك فإنني أؤيد الرأي الأخير ، إذ أنها لم تتولى السلطة باعتبارها من المماليك ، و إلا كان المماليك اختاروا أحد أمرائهم الطامعين في الحكم ( مثل بيبرس أو أقطاي أو أيبك ) ولكنهم اختاروها باعتبارها زوجة الصالح أيوب وكانت تتمتع بالاحترام والنفوذ خلال حياته ، وباعتبارها أم ولده المحبوب خليل . وخير دليل على صحة هذا الرأي ، أن شجر الدر كانت تحرص دائماَ في كامل أعمالها الرسمية أن تؤكد صلتها بزوجها الصالح أيوب وابنه خليل .
في عهد الصالح أيوب قدمت الحملة الصليبية يقودها لويس التاسع ملك فرنسا ، وتوفي الصالح خلال القتال ، ونجح توران شاه في صد الصليبيين عن القاهرة ، ثم هزمهم عند فراسكور . ولما تولت شجر الدر قبلت أن يدفع لويس فدية مقابل إطلاق سراحه والجلاء عن دمياط ، وبذلك تخلصت مصر من الصليبيين .
كان تولي امرأة عرش السلطنة سابقة خطيرة ، فأعلن الخليفة العباسي عدم رضائه عن توليها [1]، كما ثار أمراء دمشق عليها . فرأت شجر الدر الزواج من عز الدين أيبك وتنازلت له عن السلطنة ، بعد أن قضت ثمانين يوماَ كسلطانة أثبتت فيها كفاءتها . وقبل ( أقطاي ) وحزبه هذا التنازل مضطرين ، وباتوا ينتظرون فرصة للوثوب ، أما الأمراء الأيوبيين فقد استمروا في معارضتهم .
شعر أيبك بضعف مركزه ، فرأى أن يدعمه ويسترضي الأيوبيين ، فأشرك معه في السلطنة أميراَ أيوبياَ في السادسة من عمره وهو الأشرف موسى ، ولكن البيت الأيوبي أدرك الخدعة فقد ظل أيبك صاحب النفوذ الحقيقي ، وبدأ الناصر يوسف أمير حلب ودمشق الزحف إلى مصر ، كما اختار بعض الثائرين على أيبك أمير الكرك الأمير المغيث عمر الأيوبي سلطاناَ .
أدرك أيبك الخلاص من هؤلاء الثوار ، فأعلن أن مصر تابعة للخلافة العباسية في بغداد ، وأنه يحكمها نائباَ عن الخليفة العباسي . وخشي أيبك أن يتفق الأمراء الأمراء الذين بدأوا زحفهم إلى مصر مع لويس التاسع في عكا ، فأستمال لويس إليه إذ أطلق سراح الأسرى الفرنسيين ، كما أمر بهدم حصون دمياط حتى لا يتمكن الصليبيون من معاودة احتلالها.وبعث جيشاَ بقيادة أقطاي لصد الأمراء الأيوبيين ، ونجح في هزيمتهم عند الصالحية .
ساعد الحظ أيبك ، فقد هدد المغول بلاد العراق ، ورأى الخليفة العباسي أن يتناسى المسلمون خلافاتهم ويتحدوا لمواجهة المغول ، فأمر الملك الناصر أمير دمشق بعقد صلح مع أيبك . كما نجح أيبك في القضاء على ثورة أعلنها الأعراب ضد حكم المماليك .
نجح الجند المماليك في القضاء على الصليبيين والمتمردين ، فأخذوا يطالبون بالمكافئة ، واستبدوا بالأمر وأساءوا معاملة الشعب ، وبدأ أقطاي يطمع في السلطة والنفوذ ، وبدأ الصراع بين الرجلين ، ونجح أيبك في قتل أقطاي غدراَ ، وهرب رجاله إلى الشام مثل الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري ، والأمير سيف الدين قلاوون حيث أقلقوا مضاجع أيبك ، ورأى أيبك أن يدعم مركزه ، فوثق صلته بالخليفة العباسي ، وجدد الهدنة مع الصليبيين ، وأراد أن يوثق صلته بأمير الموصل فطلب الزواج من أبنته ، مما أثار غضب شجر الدر فدبرت مؤامرة انتهت بمقتله .
عرضت شجر الدر السلطنة بعد وفاة أيبك على الأمير عز الدين أيبك الحلبي وعلى الأمير جمال الدين العزيزي ، فرفضوا توليها في هذه الظروف الحرجة . وغضب المماليك لمصرع زعيمهم أيبك التركماني ، فقبضوا على شجر الدر وخدمها ، وأعلنوا تولية المنصور أبن السلطان أيبك الذي بدأ حكمه بالانتقام لأبيه ، فقتل شجر الدر بعد ثلاثة أيام من مصرع أبيه ، وكان مصرعها نهاية للدولة الأيوبية وبداية الدولة المملوكية .[2]