Admin Admin
المساهمات : 490 تاريخ التسجيل : 12/09/2007
| موضوع: المنصور سيف الدين قلاوون الجمعة نوفمبر 23, 2007 10:50 pm | |
| بعد وفاة الظاهر بيبرس سنة (676هـ=1278م) خلفه على الحكم اثنان من أولاده هما: بركة خان، وبدر الدين سلامش، لكنهما لم يستمرا طويلاً في الحكم؛ لصغر سنهما وعدم أهليتهما لممارسة أعباء الحكم، فالأول كان في السابعة عشرة من عمره عندما تولى الحكم، وكان على النقيض من أبيه: شابًا مستهترًا، يميل إلى اللهو والشراب، سيئ الرأي والتدبير، فنفر منه كبار الأمراء وقاموا بخلعه. وأما الآخر فكان طفلاً حدثًا في السابعة من عمره لا يعرف معنى السلطة ولا يقدر على حمل شيء من تبعاتها، فقام الأمير قلاوون بالوصاية على السلطان الصغير وإدارة أمور الدولة نيابة عنه، حتى إذا أمسك زمام الأمور بيده، وصار الحكم طوع بنانه أقدم على ما لا بد منه، فخلع السلطان الطفل الذي لا يعرف لماذا أقيم على السلطنة؟ ولم خلع؟ وأعلن نفسه سلطانًا على البلاد تولي قلاوون الحكم
كان الأمير سيف الدين قلاوون أحد المماليك البحرية، اشتراه الأمير علاء الدين آقسنقر بألف دينار، فعُرف قلاوون بالألفي، ولما توفي الأمير علاء الدين انتقل إلى خدمة الملك الصالح أيوب، ثم أهّلته مواهبه وملكاته لأن يبرز على الساحة في الفترة التي خرجت فيها دولة المماليك البحرية إلى الوجود، ولمع في عهد السلطان الظاهر بيبرس الذي أولاه ثقته؛ لرجاحة عقله وشجاعته، وتصاهرا؛ حيث تزوج بركة خان بن السلطان بيبرس من ابنة قلاوون؛ تأكيدًا على روح المحبة والصداقة بينهما.
ولما ساءت سلطنة بركة خان وفشل في القيام بأعباء الحكم لخفته ورعونته وسوء تصرفه أجبره الأمراء على خلع نفسه من الحكم، وكان لقلاوون يد ظاهرة في هذا الخلع، وتطلع إلى الحكم وهو به جدير، لكنه انتظر الفرصة المناسبة ليثب على الحكم دون أن ينازعه أحد، فلما وافته الفرصة اقتنصها وعزل السلطان الصغير، وتولى هو الحكم في (رجب 678هـ= نوفمبر 1279م) وبايعه الأمراء وأرباب الدولة، وتلقب بالملك المنصور.
وأجمع المؤخرون على وصف السلطان قلاوون بأطيب الصفات وأنبلها. ولعل من أبلغ هذه الأوصاف ما قاله بيبرس المنصوري: "كان حليمًا عفيفًا في سفك الدماء، مقتصدًا في العقاب، كارهًا للأذى".
غير أن قلاوون لم يسلم من اعتراض كبار أمراء المماليك على توليه الحكم، وكان بعضهم يرى نفسه أحق بالسلطنة منه، فهم على درجات متقاربة من القوة والنفوذ، لكن قلاوون نجح بالقوة أحيانًا وبالسياسة أحيانًا أخرى في أن يمسك بزمام الأمور، ويقضي على الثورات التي قامت في وجهه.
ونجح قلاوون في استمالة قلوب الناس إليه، لرأفته ولينه، وميله إلى رفع ما يزيد من معاناتهم، فألغى كثيرًا من الضرائب التي كانت تُفرض على الناس، وأبطل كثيرًا من المظالم التي عانى الشعب منها مواصلة الجهاد
لم تختلف سياسة قلاوون الخارجية عن سياسة سلفه الظاهر بيبرس الذي نجح في تثبيت أركان دولة المماليك، ووضع لها أسسها ونظامها، وفرض هيبتها على أعدائها وأمّن حدودها، فلا غرو إذن أن كان هو المؤسس الحقيقي لدولة المماليك.
وأدرك قلاوون أن الخطر لا يزال يحدق بالبلاد ما دامت القوى الصليبية لا تزال تحتل أجزاء من بلاد الشام، وأن المغول تتطلع أنظارهم إلى الاستيلاء على مصر والشام، فأخذ للأمر أهبته، واستعد له بما يستحق من عناية واهتمام، وكان من الصعب عليه أن ينازل قوتين في وقت واحد، فلجأ إلى إحداث الفتن بين خصومه الذين تحالفوا جميعًا ضده، وكان ثمة مشروع صليبي مغولي آخذ في التكوين لضرب دولة المماليك، ولما كان المغول أكثر خطرًا وأعظم استعدادًا، فإن همة السلطان قلاوون قد اتجهت إليهم أولاً، بعد أن عقد معاهدة صلح مع الصليبيين في الشام سنة (680هـ=1281م) لمدة عشر سنوات، حتى يتفرغ لمنازلة المغول، فخرج للقائهم بعد أن أغاروا على الشام، ومارسوا عاداتهم الهمجية في السلب والنهب وقتل الأبرياء، ونجح في أن يلحق بهم هزيمة مدوية في موقعة "حمص" في (14 من رجب 680هـ=30 من أكتوبر 1281م)، هلك فيها من جنود المغول أعداد كبيرة وولى الباقون الأدبار إلى شرقي الفرات.[25]
ثم تحسنت العلاقات نسبيًا بين دولة المغول والمماليك بعد أن تولى الحكم تكودار بن هولاكو خلفًا لأخيه أبغا، وأعلن إسلامه، وكان شديد الرغبة في إقامة علاقات ودية مع المماليك، لكن هذا التحسن لم يدم طويلاً، فسرعان ما أطاح به وبآماله "أرغون" ابن أخيه عن حكم المغول، وعاد التوتر بين الدولتين من جديد، دون أن يحسم قلاوون أمره مع المغول، فظلوا خطرًا محدقًا بدولته، وإن نجح في كبح جماح هذا الخطر.[26]
الجهاد ضد الصليبيين
لم يصبر قلاوون على انتهاء المعاهدة التي عقدها مع الصليبيين، وكانوا لا يزالون خطرًا على الدولة، يحتلون أجزاءً من أراضيها، ولا يحترمون عهدًا ولا ذمة إذا ما سنحت لهم فرصة، أو اشتدت بهم قوة، فهاجم قلاوون حصن المرقب، وهو من أمنع الحصون الصليبية في الشام، وذلك في سنة (684هـ=1285م)، ونجح في الاستيلاء عليه، ولم يبق للصليبيين من إماراتهم سوى "طرابلس" التي يحكمها أمراء النورمان، وعكا التي أصبحت مقر مملكة بيت المقدس، بالإضافة إلى بعض الحصون مثل حصني المرقب وطرسوس.
ولم تكن الجبهة الصليبية متماسكة البناء، بل كانت الخلافات تفتك بها، فوجد قلاوون في ذلك فرصة سانحة للانقضاض على الإمارات الصليبية المتبقية، فأرسل حملة عسكرية تمكنت من الاستيلاء على اللاذقية سنة (686هـ=1287م)، وبعد سنتين خرج السلطان بنفسه إلى طرابلس على رأس قوة كبيرة قوامها أكثر من أربعين ألف جندي، وحاصرها أربعة وثلاثين يومًا استسلمت بعدها في (ربيع الآخر 688هـ=إبريل 1289م). وعلى إثرها سقطت المدن الأخرى المجاورة مثل بيروت، وجبلة، وانحصر الوجود الصليبي في عكا وصيدا وصور وغيليت، بعد أن كانت ممتلكاته واسعة تمتد على طول الساحل الشامي للبحر المتوسط. وتوفي السلطان المنصور دون أن يتحقق أمله في إسقاط "عكا" آخر الإمارات الصليبية، غير أن الأقدار شاءت أن ينال ابنه خليل قلاوون شرف إنهاء الوجود الصليبي في بلاد الشام، بعد أن نجح في اقتحام أسوار عكا المنيعة في (17 من جمادى الآخرة سنة 690هـ=18 من مايو 1290م)، وبعد عكا سقطت بقية المعاقل الصليبية في الشام، وطويت آخر صفحة من صفحاتها.[27]النشاط الحضاريعلى الرغم من انشغال السلطان بمجابهة الخطر الصليبي والمغولي، وإعداد الحملات العسكرية التي استنفدت المال والجهد، فإن السلطان لم يغفل عن تنشيط الحركة العلمية، ومواصلة البناء والعمارة، وإقامة المدارس والمساجد، وكانت القاهرة قد أصبحت موئلاً للعلم ومركزًا للحضارة بعد سقوط بغداد وازدياد سقوط دول الإسلام في الأندلس على يد الأسبان، فتوافد عليها العلماء واتخذوها قبلة لهم، ووجدوا في كنف السلاطين المماليك كل رعاية واهتمام.
ويذكر التاريخ للسلطان قلاوون ما قام به من إنشاءات عظيمة ارتبطت بها نهضة علمية ونشاط وافر، فأقام عددًا من المدارس التي امتلأت بالشيوخ وطلبة العلم، وفي مقدمتها المدرسة المنصورية، التي أوقفها لتدريس الفقه على المذاهب الأربعة، وكان يتولى التدريس بها كبار الأئمة وأعيان الفقهاء والمحدثين. وتتضمن حجة الوقف التي كتبها قلاوون إشارات كثيرة تتعلق بتنظيم العملية التعليمية داخل المدرسة من حيث مقر الدراسة، وجلوس أهل المذاهب الأربعة بها، وأماكن سكن المدرسين الفقهاء وأجورهم ورواتبهم وغير ذلك من الشروط. وتعد المدرسة من أروع المدارس المملوكية التي شيّدت بالقاهرة لعمارتها الراقية، وزخارفها الرائعة.[28]
ولم تكن القبة المنصورية التي أقامها لتكون مدفنًا له مقتصرة على هذا الغرض، بل جعل منها مدرسة ومسجدًا، ورتب بها خمسين مقرئًا يقرءون القرآن ليلاً ونهارًا، وخصص لها إمامًا للصلاة، وعالمًا لتفسير القرآن للطلاب الذين يؤمون القبة، وجعل بها خزانة للكتب، وخازنًا يقوم بأمرها، وهذه القبة من أجمل القباب الباقية بمدينة القاهرةالبيمارستان المنصوريالإيوان الجنوبي للبيمارستان
ومن أجلّ إنشاءات المنصور قلاوون البيمارستان الذي أقامه لتقديم الرعاية الصحية والاجتماعية للمرضى، وافتتحه السلطان في حفل كبير شارك فيه الأمراء والقضاء والعلماء. وتضمنت حجة وقف هذا الصرح الطبي أنه مفتوح طوال اليوم لتقديم العلاج للمرضى دون نظر إلى طبقاتهم أو جنسياتهم، ودون مقابل أو أجر.
ولم يقتصر دور البيمارستان على تقديم العلاج، بل تعداه إلى تدريس الطب للطلاب، وهو ما يشبه الآن المستشفيات التعليمية التابعة لكليات الطب، حيث يتاح للطلاب ممارسة الطب تحت إشراف أساتذتهم.
ولم يبق من منشآت قلاوون الكثيرة سوى المجموعة المعمارية التي تضمن القبة والمسجد والبيمارستان، وهي شاهدة على ما بلغته الدولة المملوكية من تقدم وازدهار شمل مناحي الحياة كلها.[29وفاة السلطان قلاوونكان السلطان قلاوون يرجو أن ينال شرف إنهاء الوجود الصليبي، فاستعد لذلك، لكن القدر لم يمهله، فتوفي ودفن (7 من ذي القعدة 689هـ=11 من نوفمبر 1290م)الخلاصة :[ أصبح سيف الدين قلاوون سلطاناً سنة 679 هـ / 1279م ، وظلت السلطة محصورة في بيته إلى نهاية دولة المماليك البحرية في مصر سنة 784هـ . وفي عهد قلاوون وضعت بذرة دولة المماليك البرجية ، فقد أشترى قلاوون آلافاً من المماليك كون منهم طائفة جديدة من المماليك أسكنها أبراج القلعة ، فأصبح أسمهم المماليك البرجية ، ليصبحوا عدته في الحكم ، وتزايد نفوذهم شيئاً فشيئاً ، حتى نجحوا فيما بعد في القضاء على دولة المماليك البحرية ، وإقامة دولة لهم .
أعاد قلاوون إلى الشعب المصري عصر بيبرس وما ساده من استقرار داخلي ، واتبع قلاوون سياسة حكومية وإدارية نالت رضا جميع المصريين فشعروا بالهدوء والأمن . كما تابع قلاوون ما بدأه بيبرس فعمل على التخلص من الخطر الصليبي والخطر المغولي ، ففتح اللاذقية وطرابلس ، وهزم المغول في عدة مواقع . وأهتم قلاوون بالبناء والعمران ، ومن آثاره قبته ومدرسته ومارستانه . وقد توفي قلاوون سنة 689هـ / 1289م . | |
|